إذا قرأنا ما ورد في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، فيبدو أن هناك قبولاً هادئاً لانحدار المنظمة ومؤسساتها. ويأتي هذا في الوقت الذي تتزايد فيه أهمية المجموعات خارج الأمم المتحدة – مثل حلف شمال الأطلسي ومجلس التعاون الخليجي – على الساحة الدولية.
فشل الرئيس الأميركي جو بايدن في ملء الفراغ الذي خلفه غياب زعماء الصين وفرنسا وروسيا، وجميعهم أعضاء دائمون في مجلس الأمن الدولي. وخاطب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الجمعية شخصيا للمرة الأولى منذ بدء صراع واسع النطاق مع روسيا، لكن خطابه كان مخيبا للآمال، خاصة في ضوء المعادلات غير الحاسمة في ساحة المعركة.
وعلى وجه الخصوص، ركز القادة والمسؤولون العرب اهتمامهم على قضايا مثل تغير المناخ والتكنولوجيات الناشئة. وبدلاً من استخدام المنصة للتعبير عن انتقاداتهم، كما فعل بعض القادة أحياناً في الماضي، أخذ معظمهم زمام المبادرة وقدموا موقفاً استباقياً.
ومما لا شك فيه أن القضايا التقليدية المرتبطة بها مباشرة ستظهر حتما في الاجتماعات والمؤتمرات داخل الأمم المتحدة وخارجها.
على سبيل المثال، دعا العاهل الأردني الملك عبد الله الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومؤسساتها إلى التركيز مرة أخرى على التدفق المتزايد للاجئين إلى بلاده وكذلك إلى لبنان بسبب التطورات الأخيرة في سوريا.
وتناول جلالة الملك، خلال قمة الشرق الأوسط العالمية التي عقدت على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قضية النازحين السوريين من منظور العلاقات الثنائية بين الأردن ولبنان. وهذا نهج مفيد لكلا البلدين، وخاصة في ضوء ميل المجتمع الدولي إلى التركيز على العواقب المترتبة على تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا.
إن نهج دول الخليج في علاقاتها مع الدول الأخرى يعتمد على الثقة
وكانت صراحة الملك عبد الله ملحوظة عندما قال إن النظام السوري لم يلب مطالب ما يسمى بنهج “خطوة بخطوة” لحل النزاع، فضلاً عن استمرار تهريب الأدوية والأسلحة عبر الحدود.
من الصعب أن نقول ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لإعادة تأهيل سوريا تدريجياً في الأراضي العربية. ولكن بينما يكافح النظام لحل مشاكله العالقة، فإنه يواصل تلقي الدعم من إيران وروسيا. وفي الوقت نفسه، أعلنت الصين وسوريا عن شراكة استراتيجية خلال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى بكين في نهاية الأسبوع.
إيران وروسيا لديهما أولوياتهما الخاصة في سوريا. وتناولت المحادثات التي جرت خلال زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى طهران الأسبوع الماضي الصراعات في سوريا وناغورنو كاراباخ، مع وجهات نظر مشتركة حول استقرار الأوضاع في المنطقتين.
وسلطت زيارة شويجو الضوء على نية روسيا تعزيز العلاقات مع إيران وكذلك كوريا الشمالية، وكلاهما تربطهما علاقات عدائية مع الولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن شويجو لعب دورًا رئيسيًا في تقريب موسكو من بيونج يانج، وقد بلغت جهوده ذروتها في اجتماع الأسبوع الماضي بين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان هدف الوزير إبلاغ طهران بأن موسكو حليفتها ولا يمكن الوثوق بواشنطن. في الواقع، تريد روسيا وقف الجهود الأميركية الرامية إلى إبعاد إيران عن نفسها من خلال اتفاقيات تدريجية. ويشمل ذلك أيضًا صفقة تبادل الأسرى الأخيرة مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة.
وليست طهران بالضرورة متفائلة بشأن احتمالات التقارب بين الولايات المتحدة وإيران، لكنها تراهن على جهود القوى العربية الكبرى للمساعدة في رفع العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة على اقتصاداتها.
ويبدو أن إدارة بايدن تستثمر في عملية التقارب السعودي الإيراني في الوقت الذي تسعى فيه إلى الوساطة العربية بين واشنطن وطهران. ولكن مما لا شك فيه أن هناك إدراكاً بأن الانقسامات داخل النظام السياسي الإيراني تمنع حدوث تغيير نوعي في النظرية والممارسة الإقليمية للنظام الإيراني.
هذا المتصفح لا يدعم عنصر الفيديو.
من جانبها، تعمل الرياض على تكثيف تعاونها مع إدارة بايدن، ليس فقط في إطار العلاقات الثنائية المهمة، ولكن أيضًا في الأبعاد الجيوسياسية والجيواقتصادية.
إن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا له عواقب سياسية، حيث تحاول الولايات المتحدة تحسين العلاقات السعودية الإسرائيلية. وكما هو معروف، أقامت الإمارات علاقات مع إسرائيل من خلال اتفاقيات إبراهيم. وكما قال الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، في نيويورك في وقت سابق من الأسبوع، فإن الإمارات كانت في طليعة التغيير النوعي في النهج العربي للعلاقات مع إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، قال الدكتور قرقاش، في قمة الشرق الأوسط العالمية، إن الإمارات تريد التوصل إلى اتفاق دفاعي “صارم” مع الولايات المتحدة. ويأتي البيان وسط مناقشات أمريكية سعودية لصياغة “اتفاق دفاعي” وتوقيع واشنطن اتفاقية دفاع وتكنولوجيا مع البحرين في وقت سابق من هذا الشهر.
كل هذا يعكس نقلة نوعية في العلاقات بين دول الخليج وإدارة بايدن، مع اعتراف إدارة بايدن بأخطائها السابقة في التعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي.
إن نهج دول الخليج في علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين وروسيا، فضلاً عن الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية الكبرى، يرتكز على الثقة بالنفس والقدرة على رسم اتجاهات غير تقليدية وفرض تنازلات لم تكن في الحسبان في السابق. ,
وليس حلف شمال الأطلسي وحده هو الذي يعيد تشكيل نفسه. كما نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في ترسيخ مكانتها على الساحة الدولية بطرق جديدة.
تم التحديث: 24 سبتمبر 2023 الساعة 2:00 ظهرًا