بقلم: هناء سعدة
الجزائر– الجزائر، المعروفة بتراثها الثقافي الغني وتميزها الرياضي، تعود مرة أخرى إلى دائرة الضوء من خلال استضافة الدورة الخامسة عشرة للألعاب الرياضية العربية. أذهل حفل الافتتاح، الذي أقيم في ملعب 5 يوليو الشهير بالجزائر العاصمة، المتفرجين بمزيج من الرياضة والثقافة والفن، مما أظهر التزام الأمة بالوحدة والاحتفاء بالتراث العربي.
وقد قام بتكريم الحدث مسؤولون موقرون، من بينهم الوزير الأول الجزائري أيمين بن عبد الرحمان، وصاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل، رئيس اتحاد اللجان الأولمبية الوطنية العربية، ووزير الرياضة الجزائري عبد الرحمان حماد، وآخرون. وأكد وجودهم على أهمية الألعاب الرياضية العربية في التقريب بين الدول العربية.
أثبتت الجزائر أنها مضيفة استثنائية للأحداث الرياضية الكبرى في الآونة الأخيرة. ومن خلال المشاريع الناجحة مثل دورة الألعاب المتوسطية في وهران العام الماضي، وبطولة إفريقيا للاعبين المحليين (CHAN 2022) وكأس الأمم الإفريقية للناشئين في أبريل، تمت الإشادة بالجزائر لقدراتها التنظيمية الاستثنائية وبنيتها التحتية الرياضية ذات المستوى العالمي. .
بعد انقطاع دام نحو 13 عاما، تعود الألعاب الرياضية العربية منتصرة إلى الجزائر. بعد استضافتها قطر سابقًا عام 2011، مع انسحاب لبنان من 2015 وإلغاء نسخة 2019، حشدت الجزائر لإحياء هذا الحدث المرموق وتنشيطه، مما يدل على تفانيها الثابت في تعزيز الوحدة العربية من خلال الرياضة.
ويشارك في النسخة الخامسة عشرة عدد قياسي بلغ 21 دولة عربية، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحدث، باستثناء نسخة 2004 في الجزائر ونسخة 2007 في مصر. وتسلط هذه المشاركة الرائعة الضوء على الحماس والالتزام المشترك بين الدول العربية لتعزيز الصداقة الحميمة والمنافسة الصحية.
كان حفل افتتاح دورة الألعاب الرياضية العربية تحفة من الإبداع والتميز. فهو يمزج بشكل متناغم بين التاريخ والإنجازات الحالية والتطلعات المستقبلية، بينما يعرض جمال الجزائر الطبيعي وثرواتها الثقافية وتراثها الفني. تم استخدام التكنولوجيا المتطورة لإضفاء الحيوية على الماضي التاريخي للدولة، مما يعزز العرض بشكل أكبر. وأضاف تزامن الحفل مع الذكرى الحادية والستين لاستقلال الجزائر معنى رمزيا هائلا، مما رفع الحدث إلى ما هو أبعد من مجرد الرياضة.
وحمل الحفل هالة قوية مشبعة بجوهر الثقافة الجزائرية. احتل الموسيقيون والفنانون الجزائريون مركز الصدارة، حيث قاموا بنسج نسيج رائع يعرض المواد الغنية والتراث الفني الذي يميز الأمة. ومع تطور الحدث، تكشفت قصة مؤثرة، تتعمق في النسيج التاريخي للجزائر من خلال منظور خمس شخصيات بارزة، كل منها ترمز إلى حقبة متميزة شكلت هوية البلاد.
ظهرت الحقبة الأولى، مرحلة “ما قبل التاريخ”، إلى الحياة حيث أعاد الفنانون الجمهور إلى الوراء في الزمن، مستحضرين ألغاز وعجائب أصول الجزائر القديمة. ومن خلال براعتهم الفنية الجذابة، كشفوا عن الأسرار الغامضة للأرض، مستوحين الإلهام من روابط الأجداد المتجذرة في أعماق التربة.
ثم احتضن الحفل روعة المشهد «العريق»، حيث ترددت روح الفينيقيين والرومان وغيرهم من الحضارات. تغير المزاج عندما احتلت “الفترة الإسلامية” مركز الصدارة، ورسمت صورة حية للتحول الروحي والثقافي الذي اجتاحت الأمة.
وبالانتقال إلى مرحلة “المقاومة والتحرير”، أشاد الحفل بالروح الثابتة والصمود الذي لا يقهر للجزائريين الذين ناضلوا من أجل الحرية والعدالة. ومن خلال الصور القوية والعروض المسرحية والمقطوعات الموسيقية المؤثرة، تم نقل الجماهير إلى زمن تميز بالنضال والتضحية والانتصار.
وأخيرا، تحولت الأضواء إلى “الجزائر الحديثة”، وهي حقبة ديناميكية مليئة بالابتكار والتقدم والنهضة الثقافية. واحتفى الحفل بإنجازات الجزائريين في مختلف المجالات. وقد انبهر الجمهور بالعروض المبهرة للإبداع المعاصر، حيث اندمجت أشكال الفن الحديث بسلاسة مع العناصر التقليدية، مما يرمز إلى التعايش المتناغم بين التراث والتقدم في الجزائر اليوم.
كما جاءت لحظة تاريخية عندما عزف النشيد الرسمي لدورة الألعاب الرياضية العربية لأول مرة في تاريخ الحدث، مصحوبا بترحيب حار وحماسي من الجمهور للوفود العربية المشاركة. وألقى صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل كلمة ملهمة حددت مسار الأحداث إلى جانب وزير الرياضة الجزائري. ثم أعلن الوزير الأول أيمين بن عبد الرحمان رسميا عن افتتاح البطولة، مما أثار موجة من نفاد الصبر والحماس في جميع أنحاء الملعب.
كانت الأجواء في الملعب يوم 5 يوليو مليئة بالبهجة والإثارة حيث استمتع الجمهور بهذا المشهد الآسر. أسعدت العروض الموسيقية المذهلة ومقاطع الفيديو الموسيقية المصممة الجمهور، بينما أدى استخدام التكنولوجيا المتطورة إلى إحياء القصة من خلال اللوحات الفنية الضوئية والافتراضية. واستخدمت طائرات «الدرون» بشكل خاص لمحاكاة الأحداث التاريخية، مصحوبة بالأغاني الوطنية. أصبحت الأمسية احتفالا مزدوجا، تكريما للرياضة العربية واستقلال الجزائر، حيث أضاءت الألعاب النارية النابضة بالحياة سماء الليل وأغرقت العاصمة الجزائرية بوهج مشع.
ومن المنتظر أن تشهد الألعاب الرياضية العربية مشاركة حوالي 2200 رياضي، يجمعهم شعار “بالرياضة نرتقي وفي الجزائر نلتقي”. وسيشارك هؤلاء المتنافسون في منافسات شرسة في 20 تخصصًا رياضيًا. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النسخة من الألعاب الرياضية العربية تمثل معلما هاما حيث أن المنافسات موزعة على خمس مدن مختلفة: الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة وتيبازة. ويضمن هذا التوزيع مشاركة روح الألعاب وحماسها مع المجتمعات المتنوعة في جميع أنحاء الجزائر، مما يعزز الشعور بالوحدة والفخر.
انطلاقا من النجاحات التنظيمية الأخيرة خلال المنافسات الدولية الكبرى، تستعد الجزائر لاستضافة نسخة استثنائية من الألعاب الرياضية العربية. وقد عززت سمعة البلاد كمضيف يتسم بالكفاءة والفعالية من خلال تجاربها السابقة، بما في ذلك ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي أقيمت الصيف الماضي، بالإضافة إلى بطولتي CHAN 2022 وCAN Junior في وقت سابق من هذا العام. وبناء على هذا السجل، استعدت الجزائر بجدية لتنظيم حدث لا ينسى يظهر التزام البلاد الثابت بالتميز في الرياضة وإدارة الأحداث. وبناء على براعتها في تنظيم المسابقات الدولية، فإن الجزائر مستعدة لاحتضان الألعاب الرياضية العربية وتقديم تجربة استثنائية للمشاركين والمتفرجين ستظل خالدة في أذهانهم لفترة طويلة.
“تويتر متعصب. متحمس محترف لحم الخنزير المقدد. مهووس بيرة مدى الحياة. مدافع عن الموسيقى حائز على جوائز.”