فرحات رياض
في خضم واحدة من الأزمات الإنسانية الأكثر ديمومة في عصرنا، يشهد العالم مفارقة تترك طعما مريرا في فم التعاطف. إن الصراع الفلسطيني، وهو قصة طويلة من الخسارة واليأس والأمل، يتكشف كل يوم بفصول جديدة. ومع ذلك، يبدو أن الدول العربية منخرطة في أنشطة بعيدة كل البعد عن الاهتمامات الإنسانية الملحة.
ويظل السؤال المحير قائما: لماذا يبدو أنهم أكثر انشغالا بالترفيه، مثل حفل شاكيرا، في حين يكافح أصدقاؤهم الفلسطينيون، وجيرانهم من موسيقى البوب، من أجل البقاء؟ إن نضال فلسطين محفور في التاريخ، وهو شهادة على صمود الإنسان والروح الدائمة لشعب يواجه محنة لا هوادة فيها.
لقد اتسمت حياة الفلسطينيين، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، بالصراع وعدم اليقين والألم على مدى أجيال. وفي كل يوم، يتعين عليهم أن يتنقلوا بين أنقاض المنازل، وأصداء العنف، والثقل الثقيل للصراع الذي لم يتم حله. إن العالم يشاهد مسرحاً من المعاناة يتكشف في فلسطين، حيث حياة الأطفال والنساء والرجال الأبرياء معلقة في الميزان.
تتمزق العائلات، ويحرم الأطفال من براءتهم، ولا تتحقق الأحلام. صور المباني المحطمة والحياة المحطمة تغمر شاشاتنا وتثير قلوبنا. ومع ذلك، في بعض الدول العربية، يبدو أن نداءات المساعدة هذه لا تلقى آذاناً صماء. لا ينبغي أن يُنظر إلى صمت بعض الدول العربية فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني على أنه افتقار إلى التعاطف، بل على أنه دعوة لمواءمة الإجراءات مع القيم.
إن استضافة فنانين عالميين وفعاليات ترفيهية هي نشاط ثقافي واقتصادي، لكن هذا لا ينبغي أن يحجب الحاجة الملحة للاستجابة للأزمات الإنسانية. شهد العالم مؤخراً اعتلاء نجمة البوب العالمية شاكيرا على المسرح في بعض الدول العربية لإحياء حفلات كبرى استقطبت آلاف الأشخاص. ويبدو أن هذه الأحداث، التي تمزج بين الموسيقى والرقص والبذخ، تجذب الانتباه وتشتت الانتباه عن القضايا الملحة مثل الصراع الفلسطيني.
لا ينبغي التشكيك في وجود شاكيرا، الفنانة ذات الموهبة الهائلة والمعترف بها عالميًا. لكن توقيت وأهمية هذه الأحداث في العالم العربي، إلى جانب المعاناة المستمرة في فلسطين، يدفعنا إلى التأمل. هل أصبحنا، كمجتمع عالمي، مشتتين؟ هل نعطي الأولوية للترفيه على حساب الصرخات التي لا يمكن إنكارها لشعب عالق في مرمى النيران في صراع لا نهاية له على ما يبدو؟ الصمت المطبق لبعض الدول العربية يثير هذه الأسئلة.
“أخبر العالم أننا أحياء وأنت ميت.”
لقد كان إماماً قال ذات مرة هذه الكلمات القوية: “أخبروا العالم أننا أحياء وأنتم أموات”. تحمل هذه الكلمات رسالة مؤثرة ومؤثرة. إنهم يسلطون الضوء على التناقض بين أولئك الذين يعانون وأولئك الذين يبتعدون، بين أولئك الذين تتميز حياتهم بالصعوبات وأولئك الذين يجدون الراحة في الإلهاء. إن رسالة الإمام لا تتعلق فقط بالاستماع، بل أيضًا بالفهم، والأهم من ذلك، العمل. ويدعو الأفراد والأمم إلى الاعتراف بالتزاماتهم الأخلاقية والمعنوية عند مشاهدة المعاناة. إنه يتحدانا أن نتذكر أن قوة إيمان الشخص لا تحددها مجرد الكلمات أو الصلوات، بل بالأفعال والأفعال الرحيمة.
إن الصراع الفلسطيني هو بمثابة دعوة للاستيقاظ لإعادة تقييم أولوياتنا كمجتمع عالمي. إنه يذكرنا بأن أفعالنا، خاصة في مواجهة الشدائد، تعكس قيمنا وشخصيتنا. ويحث القادة والحكومات على إعطاء الأولوية للمخاوف الإنسانية والتصرف وفقا لمسؤولياتهم الأخلاقية والمعنوية.
وحتى عندما نتساءل عن صمت بعض الدول العربية، من الضروري أن نأخذ في الاعتبار أن المجتمع الدولي ككل يتقاسم المسؤولية عن حل الصراع الفلسطيني. وينبغي للدبلوماسية ومفاوضات السلام والمساعدات الإنسانية أن تحظى بالأولوية، إلى جانب الأزمات العالمية الأخرى. ويجب ألا يكون العالم غير مبال بمحنة الشعب الفلسطيني، ومن المسؤولية الجماعية للدول أن تعمل على التوصل إلى حل عادل ودائم.
إن نداء فلسطين اليائس للمساعدة يثير مشاعر عميقة. إن التشتيت المنتشر في مجال الترفيه في البلدان العربية أمر محبط للغاية، حيث تُزهق أرواح وأرواح لا حصر لها تنتظر التدخل الذي يمكن أن يعني الفرق بين الحياة والموت. إنه تذكير قاتم بأنه لا ينبغي لنا تقسيم البشرية على أسس دينية. إنها مسألة تتعلق بحقوق الإنسان الأساسية وقدسية الحياة، وهي دعوة ينبغي أن يتردد صداها في جميع أنحاء العالم.
وفي عالم حيث يجب أن تتجاوز الوحدة والرحمة الحدود، من الضروري أن تستجيب جميع الدول لنداء المنكوبين، مثل الشعب الفلسطيني. هناك حاجة إلى جهد جماعي، حيث تصبح الحلول الدبلوماسية والمساعدات الإنسانية أولويتنا. ويجب ألا ندع الترفيه يطغى على الاحتياجات الملحة لأولئك العالقين وسط صراع طويل الأمد.
إن استجابة العالم لنداءات فلسطين للمساعدة تعكس قيمنا والتزامنا بالسلام. إن الطريق إلى الحل هو الاعتراف بمسؤوليتنا المشتركة كمجتمع عالمي للعمل بلا كلل من أجل إيجاد حل عادل ودائم.
(فرحات رياض هو المؤسس المشارك لمؤسسة We The Kashmir)
تنويه: هذه هي الآراء الشخصية للمؤلف.